الكذب بين الزوجين : حكمه وضوابطه
فإذا كان الإسلام قد رخص في جواز الكذب بين الزوجين فليس هذا على إطلاقه، فلا يجوز الكذب في كل شيء، ولكن الكذب المأذون فيه هو ما يتعلق بأمر المعاشرة وحصول الألفة بينهما بأن يظهر كل منهما لصاحبه الود والحب حتى وإن كان ما في قلبه عكس ذلك، وما عدا ذلك فهو باق على أصل الحرمة..
ويقول الدكتور حسام عفانة – أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:
لا شك أن الكذب خصلة ذميمة وذنب من أقبح الذنوب وقد تظاهرت الآيات والأحاديث على تحريم الكذب بشكل عام.
فقد ثبت في الحديث الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن والرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً ) رواه البخاري ومسلم .
وثبت في الحديث الصحيح أيضاً عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها إذا اؤتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر ) رواه البخاري مسلم .
والكذب ليس من صفات المؤمنين الصادقين يقول الله سبحانه وتعالى
إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ ) النحل : 105.
هذا هو الأصل في الكذب أنه محرم وأنه فاحشة من فواحش الذنوب ولكن هذا الأصل له استثناء فقد أجاز الشرع الكذب في بعض المواطن وجعله مباحاً.
قال الإمام النووي رحمه الله :[ اعلم أن الكذب وإن كان أصله محرماً فيجوز في بعض الأحوال إلى أن قال " إن الكلام وسيلة إلى المقاصد فكل مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه وإن لم يمكن تحصيله إلا بالكذب جاز الكذب ، ثم إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحاً كان الكذب مباحاً وإن كان واجباً كان الكذب واجباً فإذا اختفى مسلم من ظالم يريد قتله أو أخذ ماله وسئل إنسان عنه وجب الكذب بإخفائه وكذا لو كان عنده وديعة وأراد ظالم أخذها وجب الكذب بإخفائه والأحوط في ذلك كله أن يوري ومعنى التورية أن يقصد في كلامه مقصوداً صحيحاً ليس هو كاذباً بالنسبة إليه وإن كان كاذباً في ظاهر اللفظ بالنسبة إلى ما يفهمه المخاطب ولو ترك التورية وأطلق عبارة الكذب فليس بحرام في هذا الحال] رياض الصالحين ص592 .
وخلاصة الأمر أن هنالك أحوالاً يجوز فيها الكذب وقد وردت في أحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومنها :
1- مــا رواه البخاري ومسلـم في صحيحهما أن الـرسول صلى الله عليه وسلم قــال
ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً أو يقول خيراً ) .
2- ما رواه مسلم في صحيحه أن أم كلثوم بنت عقبة قالت: ولم أسمعه أي الرسول صلى الله عليه وسلم يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها .
وهذا الحديث يدل على جواز أن يكذب الرجل على زوجته وكذلك المرأة على زوجها ولكن أهل العلم قيدوا كذب الرجل على امرأته وعكسه بأن يكون الكذب فيما يتعلق بأمر المعاشرة وحصول الألفة بينهما.
قال الخطابي :[ كذب الرجل على زوجته أن يعدها ويمنيها ويظهر لها من المحبة أكثر مما في نفسه يستديم بذلك صحبتها ويصلح من خلقها] عون المعبود 13/179 .
وقال الحافظ ابن حجر [ واتفقوا على أن المراد بالكذب في حق المرأة والرجل إنما هو فيما لا يسقط حقاً عليه أو عليها أو أخذ ما ليس له أو لها] فتح الباري 6/228 .
وقال الإمام النووي :[ وأما كذبه لزوجته وكذبها له فالمراد به إظهار الود والوعد بما لا يلزم ونحو ذلك .
فأما المخادعة في صنع ما عليه أو عليها أو أخذ ما ليس له أو لها فهو حرام بإجماع المسلمين) شرح النووي على مسلم 16/158 .
وبهذا يظهر جواز الكذب بين الزوجين إذا كان في ذلك محافظة على الحياة الزوجية ومنع لهدمه فإذا سأل الزوج زوجته هل تحبه فعليها أن تجيبه بنعم وإن كانت تكرهه محافظة على بقاء الأسرة واستمرارية الحياة الزوجية وكما قال عمر رضي الله عنه لتلك المرأة: [فإن كانت أحداكن لا تحب أحدنا فلا تحدثه بذلك فإن أقل البيوت الذي يبنى على الحب ] ..
والله أعلم.