‹ و إنك لعلى خلق عظيم›
صلى الله عليك يا علم الهدى
و استبشرت بقدومك الأيام
هتفت لك الأرواح من أشواقها
و ازينت بحديثك الأقلام
ما أحسن الإسم و المسمى, و هو النبي في سورة عم, إن ذكرته هلت الدموع السواكب, و إذا تذكرته أقبلت الذكريات من كل جانب
و كنت إذا ما اشتد بي الشوق و الجوى
و كادت عرى الصبر الجميل تفصم
أعلل نفسي بالتلاقي و قربه
و أوهمها لكنها تتوهم
المتعبد في غار حراء, صاحب الشريعة الغراء, و الملة السمحاء, و الحنيفية البيضاء, و صاحب الشفاعة و الإسراء, ذو المقام المحمود, و اللواء المعقود, و الحوض المورود ,هو المذكور في التوراة و الإنجيل, و صاحب الغرة و التحجيل, و المؤيد بجبريل, خاتم الأنبياء, و صاحب صفوة الأولياء, إمام الصالحين, و قدوة المفلحين
‹و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين›
السماوات شيقات ظماء
و الفضا و النجوم و الأضواء
كلها لهفة إلى العلم الهادي
و شوق لذاته و احتفاء
تنظم في مدحه الأشعار, و تدبج فيه المقامات الكبار, و تنقل في الثناء عليه السير و الأخبار, ثم يبقى كنزا محفوظا لا يوفيه حقه الكلام, و علما شامخا لا تنصفه الأقلام, إذا تحدثنا عن غيره عصرنا الذكريات, و بحثنا عن الكلمات, و إذا تحدثنا عنه تدفق ملكوت الحب, و طاف القلب بكعبة القرب, هو الرمز لكل فضيلة, و هو قبة الفلك للخصال الجميلة, و هو ذروة سلام المجد لكل خلال جميلة.
مرحبا بالحبيب و القريب و النجيب, الذي إذا تحدثت عنه تزاحمت الذكريات, و تسابقت المشاهد و المقالات, صلى الله على ذاك القدوة ما أحلاه ,و سلم الله ذاك الوجه ما أبهاه, و بارك الله على ذاك الأسوة ما أكمله و أعلاه, علم الأمة و
أرشدها إلى الحق, و كانت في ظلمات الباطل عائمة, و قادها إلى النور و كانت في دياجير الزور غائمة .
و شب طفل الهدى المحبوب متشحا
بالخير متزرا بالنور و النار
في كفه شعلة تهدى و في دمه
عقيدة تتحدى كل جبار
كانت الأمة قبله في سبات عميق, و في حضيض من الجهل سحيق, فبعثه الله على فترة من المرسلين, و انقطاع من النبيين, أقام الله به الميزان, و أنزل عليه القرآن, و فرق به الكفر و البهتان, و حطمت به الأوثان و الصلبان, للأمم رموز يصيبون, و يخطئون, يسددون و يغلطون, لكن رسولنا صلى الله عليه و سلم معصوم من الزلل, محفوظ من الخلل, سليم من العلل, عصم قلبه من الزيغ و الهوى, فما ضل أبدا و ما غوى‹إن هو إلا وحي يوحى›
للشعوب قادات لكنهم ليسوا بمعصومين, و لهم سادات لكنهم ليسوا بالنبوة موسومين, أما قائدنا
و سيدنا فمعصوم من الإنحراف, محفوف بالعناية و الألطاف, قصارى ما يطلبه سادات الدنيا قصور مشيدة, و عساكر ترفع الولاء مؤيدة, و خيول مسومة, في ملكهم مقيدة, وقناطير مقنطرة في خزائنهم مخلدة, و خدم في راحتهم معبدة .
أما محمد عليه الصلاة و السلام فغاية مطلوبة ونهاية مرغوبه, أن يعبد الله فلا يشرك معه أحد لأنه فرد صمد ‹لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفؤا أحد ›
يسكن بيتا من الطين, و أتباعه يجتاحون قصور كسرى و قيصر فاتحين, يلبس القميص المرقوع, و يربط على بطنه حجرين من الجوع, و المدائن تفتح بدعوته, و الخزائن تقسم لأمته.
إن البرية يوم مبعث أحمد
نظر الإله لها فبدل حالها
خير البرية نجمها و هلالها
ليس المرقع و هو قائد أمة
جبت الكنوز و كسرت أغلالها
لما رآها الله تمشي نحوه
لا تبتغي إلا رضاه سعى لها
ماذا أقول في النبي الرسول ؟ هل أقول للبدر حييت يا قمر السماء ؟ أم أقول للشمس أهلا يا كاشفة الظلماء ، أم أقول للسحاب سلمت يا حامل الماء ؟
أسلك معه حيثما سلك ، فإن سنته سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها هلك ، نزل بزُّ رسالته في غار حراء ، وبيع في المدينة ، وفصل في بدر ، فلبسه كل مؤمن فيا سعادة من لبس ، ويا خسارة من خلعه فتعس وانتكس ، إذا لم يكن الماء من نهر رسالته فلا تشرب ، وإذا لم يكن الفرس مسوما على علامته فلا تركب ، بلال بن رباح صار باتباعه سيدا بلا نسب ، وماجدا بلا حسب ، وغنيا بلا فضة ولا ذهب ، أبو لهب عمه لما عصاه خسر وتب
‹سيصلى ناراً ذات لهب› .
الفرس والروم واليونان إن ذكروا
فعند ذكرك أسمال على قزم
هم نمَّقوا لوحة بالرِّقِ هائمـة
وأنت لوحك محفوظ من التهم
وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ، وإنك لعلى خُلُق عظيم ، وإنك لعلى نهج قويم ، ما ضلَّ ، وما زلَّ ، وما ذلَّ ، وما غلَّ ، وما ملَّ ، وما كلَّ ، فما ضلَّ لأن الله هاديه، وجبريل يكلمه ويناديه ، وما زلّ لأن العصمة ترعاه ، والله أيده وهداه ، وما ذلّ لأن النصر حليفه ، والفوز رديفه ، وما غلّ لأنه صاحب أمانة ، وصيانة ، وديانة، وما مل لأنه أعطي الصبر ، وشرح له الصدر ، وما كل لأن له عزيمة ، وهمة كريمة ، ونفسا طاهرة مستقيمة .
كأنك في الكتاب وجدت لاء
محرمة عليـك فلا تحل
إذا حضر الشتاء فأنت شمس
وإن حل المصيف فأنت ظل
صلى الله عليه وسلم ما كان أشرح صدره ، وأرفع ذكره ، وأعظم قدره ، وأنفذ أمره ، وأعلى شرفه ، وأربح صفقة من آمن به وعرفه ، مع سعة الفناء ، وعظم الآناء ، وكرم الآباء ، فهو محمد الممجد ، كريم المحتد ، سخي اليد ، كأن الألسنة والقلوب ريضت على حبه ، وأنست بقربه ، فما تنعقد إلا على وده ، ولا تنطق إلا بحمده ، ولا تسبح إلا في بحر مجده .
نور العرارة نوره ونسيمــه
نشر الخزامى في اخضرار الآس
وعليه تاج محبة من ربـــه
ما صيغ من ذهب ولا من ماس
إن للفطر السليمة ، والقلوب المستقيمة ، حبا لمنهاجه ، ورغبة عارمة لسلوك فجاجه، فهو القدوة الإمام ، الذي يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام .
صلى الله عليه وسلم، علم اللسان الذكر ، والقلب الشكر ، والجسد الصبر ، والنفس الطهر ، وعلم القادة الإنصاف ، والرعية العفاف ، وحبب للناس عيش الكفاف ، صبر على الفقر ، لأنه عاش فقيرا ، وصبر على جموع الغنى لأنه ملك ملكا كبيرا ، بعث بالرسالة ، وحكم بالعدالة ، وعلم من الجهالة ، وهدى من الضلالة ، ارتقى في درجات الكمال حتى بلغ الوسيلة ، وصعد في سلم الفضل حتى حاز كل فضيلة .
أتاك رسول المكرمـات مسلمـا
يريد رســـول الله أعظم متقي
فأقبل يسعى في البساط فـما درى
إلى البحر يسعى أم إلى الشمس يرتقي
هذا هو النور المبارك يا من أبصر ، هذا هو الحجة القائمة يامن أدبر ، هذا الذي أنذر وأعذر ، وبشر وحذر ، وسهل ويسر ، كانت الشهادة صعبة فسهلها من أتباعه مصعب ، فصار كل بطل بعده إلى حياضه يرغب ، ومن مورده يشرب ، وكانالكذب قبله في كل طريق ، فأباده بالصديق ، من طلابه أبو بكر الصديق ، وكان الظلم قبل أن يبعث متراكما كالسحاب ، فزحزحه بالعدل من تلاميذه عمر بن الخطاب ، وهو الذي ربى عثمان ذا النورين ، وصاحب البيعتين ، واليمين والمتصدق بكل ماله مرتين ، وهو إمام علي حيدرة ، فكم من كافر عفره ، وكم من محارب نحره ، وكم من لواء للباطل كسره ، كأن المشركين أمامه حمر مستنفرة ، فرت من قسوره
إذا كان هذا الجيل أتباع نهــــجه
وقد حكموا السادات في البدو والحضر
فقل كيف كان المصطفى وهو رمزهم
مـــع نوره لا تذكر الشمس والقمر
كانت الدنيا في بلابل الفتنة نائمة ، في خسارة لا تعرف الربح ، وفي اللهو هائمة، فأذن بلال بن رباح ، بحي على الفلاح ، فاهتزت القلوب ، بتوحيد علام الغيوب ، فطارت المهج تطلب الشهادة ، وسبحت الأرواح في محراب العبادة ، وشهدت المعمورة لهم بالسيادة
كل المشارب غير النيل آسنة
وكل أرض سوى الزهراء قيعان
لا تنحر النفس إلا عند خيمته
فالموت فوق بلاط الحب رضوان
أرسله الله على الظلماء كشمس النهار ، وعلى الظمأ كالغيث المدرار ، فهز بسيوفه رؤوس المشركين هزا ، لأن في الرؤوس مسامير اللات والعُزى ، عظمت بدعوته المنن ، فإرساله إلينا أعظم منة ، وأحيا الله برسالته السنن ، فأعظم طريق للنجاة إتباع تلك السنة . تعلم اليهود العلم فعطلوه عن العمل ، ووقعوا في الزيغ والزلل ، وعمل النصارى بضلال ، فعملهم عليهم وبال ، وبعث عليه الصلاة والسلام بالعلم المفيد ، والعلم الصالح الرشيد .
دمتم بحفظ الرحمن